نشأة الفقه الإسلامي و فروعه و مراحله

نشأة الفقه الإسلامي و فروعه و مراحله

للفقه أهمية كبري في الإسلام، فالفقه الإسلامي هو العلم الذي يبحث لكل عمل عن حكمه الشرعي، و قد دلت النصوص الشرعية علي فضله، و نشأة الفقه الإسلامي مرت بعددة مراحل.

أرسل الله محمداً صلى الله عليه و سلم، و أنزل عليه القرآن مشتملاً على ثلاثة أهداف رئيسية هي:

  1. الدعوة إلى توحيد الله و الأدلة على وجوده.
  2. قصص الأنبياء السابقين، لتكون عظة و عبرة لمن بعدهم.
  3. تشريع الأحكام، و بيان الحلال و الحرام و العبادات و المعاملات، و هذا القسم عُرِفَ فيما بعد باسم “الفقه”.

فالفقه جزء من أجزاء الشريعة و معناه، فهم الأحكام الشرعية فهماً دقيقاً.

و الفقه لغوياً كلمة عربية تعني الفهم أو الادراك العميق، وكلمة فقيه تعني شخص لديه المعرفة و الفهم.

و يستخدم المصطلح في القرآن للدلالة على الفهم العميق للمسائل، خاصة تلك المتعلقة بالدين، و هي تستخدم في الغالب لتعني فهم كلمات شخص آخر و في الأمور الدينية، فهم كلمات الله و رسوله.

قال تعالى :

“فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون”.

و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين” (صحيح البخاري).

أقسام الفقه و فروعه

الفقه الإسلامي نظام عام، يتناول علاقة الإنسان بالخالق جل و علا، كما يتناول علاقة الإنسان مع غيره.

و قد قسم أكثر الفقهاء القدامى الفقه إلى قسمين رئيسيين:

أما الفقهاء المتأخرون فقد قاموا بتقسيم الفقه إلى ستة أقسام هي:

  1. العبادات: و تشمل الصلاة و الزكاة والصوم و الحج و ما يتعلق بها.
  2. الأحوال الشخصية: وهي ما يتعلق بنظام الأسرة من زواج و طلاق و نفقة و غير ذلك.
  3. العقوبات: و هي ما وضعه الشرع من حدود و كفارات كالقصاص و حد السرقة و حد القذف.
  4. المعاملات: و هي كالتصرفات المالية من بيع و تأجير و رهن و غيرها.
  5. المرافعات: و هي ما يتعلق بالحكم في القضايا بين الناس، ورفع الدعاوي إلى القاضي و ما إلى ذلك.
  6. المغازي: وهي ما يتعلق بالحروب و الجهاد و معاملة الأسرى و علاقة الدولة الإسلامية بغيرها.

اقرأ ايضًا: دلائل صحة الإسلام و صدقه و أنه دين الحق

نشأة الفقه الإسلامي و تدرجه و مراحله

نشأة الفقه الإسلامي و مروره بمراحل مختلفة و هي :

  1. مرحلة النشأة و النمو.
  2. مرحلة النضج و الكمال.
  3. مرحلة التقليد و الجمود.
  4. مرحلة اليقظة الفقهية.

١- نشأة الفقه الإسلامي و مرحلة النشأة و النمو (من البعثة المحمدية إلى سنة ١٠٠ هجرياً):

لم يكن للعرب قبل الإسلام حكومة منظمة تسن القوانين و تنفذها، بل كانوا بلا سلطة إلا سلطة رؤساء القبائل.

فلما جاء الإسلام، اتجه أول الأمر إلى اصلاح العقيدة و بيان الأدلة على وجود الله و دعوة الناس إلى التدبر في ملكوت السماوات و الأرض، و النظر و التأمل في خلق الله.

و قد ركز القرآن على ذلك ثلاث عشرة سنة تقريباً، و هي مدة الحياة في مكة قبل الهجرة.

و لما أنتقل المسلمون إلى المدينة، بدأت تتكون نواة الدولة الإسلامية، و اتجه التشريع الإسلامي لتنظيم الدولة داخلياً و خارجياً.

و أخذ يشرع الأحكام التي تنظم شئون الأفراد و الجماعة، في كل ناحية من نواحي الحياة.

فوضع المبادئ الحكيمة في الأخلاق و أنواع العبادات و القواعد في الأسرة و التربية و الأسس المتينة لأحكام روابط المجتمع.

كما شرع جميع المعاملات التي تتطلبها حاجات العصر، و ترك للناس أن يستحدثوا من المعاملات ما تدعو إليه حاجتهم و يصلح به شأنهم.

و تخرج في مدرسة القرآن و على يدى الرسول الأمين، جيل من الصحابة الأجلاء، قرأوا القرآن فأحلوا حلاله، و حرموا حرامه، و اجتنبوا نواهيه.

و إذا صعب عليهم فهم لفظ من ألفاظه أو فهم معنى من معانيه، لجأوا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم، يستوضحون معناه، و يتفهمون مقصده، و النبي الكريم يوضح و يبين لهم ما خفى عليهم، و يرشدهم إلى ما ينفعهم في دينهم و دنياهم.

ثم لحق الرسول الأمين بالرفيق الأعلى و بدأ عهد الخلفاء الراشدين و سارت دفة الحياة الإسلامية في نفس النهج.

فأساس التشريع عندهم هو القرآن ثم السنة ثم الاجتهاد في نطاق الأصول العامة التي وضعها القرآن و بينتها السنة.

(الفتوحات الإسلامية)

لم تمضي عشر سنوات على وفاة الرسول الأمين، حتى كان أصحابه و خلفاؤه يحملون الإسلام و القرآن إلى ما حولهم من البلاد، ففتحت بلاد الفرس و الشام و مصر و غيرها من البلاد.

و حمل الفاتحون معهم نظام الإسلام و دعوته و تعاليمه، و انتشر فقهاء الصحابة، يعلمون الناس الدين و ينشرون الهداية.

فكان ابن مسعود فقيه أهل الكوفة وأبو موسى الأشعري فقيه أهل البصرة، و معاذ بن جبل فقيه أهل الشام، و عبد الله بن عمرو بن العاص فقيه أهل مصر.

و في عهد التابعين – و هم الطبقة التي تلي الصحابة – ظهرت مناهج الاجتهاد، و و نشأت مدارس للفقه في الحجاز و العراق و الشام و مصر و غيرها.

و كانت أهم هذه المدارس مدرسة الحجاز و مدرسة العراق.
و غلب على أهل الحجاز التزام نصوص الأحاديث و البعد عن الرأي، و غلب على أهل العراق، استخدام الرأي و العقل و التوسع في فهم المعنى.

اقرأ ايضًا: مكانة المرأة قبل وبعد الإسلام

٢- نشأة الفقه الإسلامي و مرحلة النضج و الكمال (١٠٠ – ٣٥٠ هجرياً):

كان الفقه في عصر النبي صلى الله عليه و سلم “فقه الوحي”، يعتمد على القرآن في التشريع و الفتوى، ثم خطا “الفقه الاجتهادي” خطواته الأولى في عصر الصحابة و التابعين.

و مع بداية القرن الثاني الهجري، بدأ الفقه ينمو و يزدهر.

فلما قامت الدولة العباسية شجع الخلفاء العلم و الفقه و جعلوا الدين هو المحور الذي تدور عليه أعمال الدولة.

و رفعوا من شأن الفقهاء، فاتسع مجال الفقه، حتى أصبح شاملاً لكل نواحي الحياة الإنسانية.

و كثر الاجتهاد و البحث العميق و الحرية في النظر و الاستنباط، و في ذلك العصر برز الأئمة المجتهدون و فيه نشأت المذاهب الفقهية المتعددة.

و قد اشتد في هذا العصر الخلاف بين مدرستي الرأي و الحديث.

ثم استقر الأمر على اعتبار الرأي طريقة فقهية صحيحة بحدودها و أصولها الشرعية.

و يعتبر ذلك العصر هو العصر الذهبي للفقه الإسلامي، فقد تكونت فيه مجموعات فقهية، هي أعظم ذخيرة إسلامية.

و هي أعظم ما تم تدوينه من قواعد التعامل الإسلامي بين الأفراد و الجماعات و الدول.

و قد كانت تلك المجموعات الفقهية بمثابة النور في الأرض، فكانت أوروبا في عصر نهضتها تنقل آراء الفقهاء، فمذهب مالك يجتاز الأندلس حتى يصل إلى وسط فرنسا .

و في وسط أوروبا، تترجم كتب من المذاهب الإسلامية، و في انجلترا يترجم مثلها.

٣- مرحلة الجمود و التقليد (٣٥٠ – ١٢٨٦ هجرياً)

انقسمت الدولة الاسلامية إلى دويلات عدة، قام على كل منها “والي” يسمى بأمير المؤمنين.

ثم كثرت الفتن و الحروب بين هذه الدول و انعكس ذلك على الحركة العلمية فجعلها تقف جامدة لا تتحرك، بل ترجع للوراء.

فبعد وفاة العالم ابن جرير الطبري سنة ٣١٠ هجرياً، لم نجد من العلماء من يتطلع إلى الاجتهاد.

ثم أفتى علماء المذاهب بغلق باب الاجتهاد، و أصبح عمل العلماء مقصوراً على التعليل و الترجيح و الإفتاء في المسائل.

و أصيب الفقه بالركود و الجمود و ساد التقليد و الاتباع لأقوال العلماء السابقين.

اقرأ ايضًا: المسجد الأقصي و مسجد قبة الصخرة – تفاصيل و صور كُلِِ منهما

٤- مرحلة اليقظة الفقهية (من سنة ١٢٨٦ هجرياً )

في هذه المرحلة تم تقنين الفقه من حيث الترتيب والاقتصار على قول واحد في كل مسألة دون ذكر اختلافات الفقهاء المستفيضة.

و قام الفقيه المصري “قدري باشا” بعمل مجموعة قوانين أخذها من المذهب الحنفي، و قنن أحكام الأحوال الشخصية و الميراث و غيرها.

ثم نشطت دعوات قوية في مصر و سوريا و العراق و الكويت تدعو إلى الاستفادة من الفقه الإسلامي بأجمعه، و عدم تقييد الناس بمذهب معين في قضائهم.

لذلك اتجه المصلحون في العصر الحاضر للاستفادة من المذاهب المختلفة في التشريع تيسيراً على الناس و دفع الضرر عنهم.

الموسوعات الفقهية الحديثة

رأى المصلحون أن الفقه أحوج ما يكون إلى مسايرة أحدث أساليب النشر، ليصبح الفقه الإسلامي ميسوراً، يسهل الوصول إليه لكل من يبتغيه.

و تكونت لجان بمصر و الكويت، لوضع (موسوعات فقهية)، غايتها صياغة مباحث الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه، و تجميعها في موسوعات.

و بذلك يُعرَض الفقه عرضاً علمياً مرتباً يسهل الرجوع لنصوصه بكل مادة، للإفادة منها إلى أبعد حد.

و صدرت عدة أجزاء من الموسوعات الفقهية، مرتبة ترتيباً أبجدياً، و جامعة لأحكام عدد من المذاهب الفقهية.

و قد رتبت أحكامها و حررت عبارتها بدقة و يسر و بطريقة علمية منظمة.

كيف تعددت المذاهب ؟

لما امتدت الفتوح و اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، واجه الصحابة كثيراً من الحوادث في البلاد التي افتتحوها.

فكان لابد من الاجتهاد بالرأي في المسائل التي ليس فيها نص من كتاب أو سنة.

و كان من الطبيعي أن تتأثر آراء الفقهاء المجتهدين تبعاً لاختلاف البلاد في العادات و التقاليد و النظم المالية و التجارية.

و ليس ذلك بدعاً في الدين، فالشرع الأعظم لم يهدم كل ما كان عليه العرب من عادات و أخلاق، ليؤسس على أنقاضها عادات و أخلاقاً أخرى.

و لكنه كان يقر الصالح و يستسيغه و ينهي الضار و يحرمه و يهذب ما يمكن أن يصير بالتهذيب صالحاً.

فقد أقر الإسلام الحج، و جعله أحد أركانه الخمسة بعد أن جرده من عقائده الوثنية.

و أقر الزواج و الطلاق و البيوع و كثيراً من المعاملات بعد أن هذب منها ما استدعت المصلحة تهذيبه.

و حرم الخمر و الميسر و الربا و أكل بعض أنواع الحيوان، و جعل للمرأة حقوقاً كانت ممنوعة في الجاهلية.

إذن كان على المجتهدين أن يعرضوا أمور الناس – التي لم يجدوا فيها نصاً من الكتاب و السنة – على قواعد الشريعة، ليجعلوا لها حكماً يتفق مع هذه القواعد.

و نتيجة لذلك ظهر تعدد الآراء في المسألة الواحدة تبعاً لاختلاف الظروف و البيئات.

بالإضافة إلى الفروق الفردية بين المجتهدين من حيث وجهات النظر و طرق التفكير و الاستنباط و العلم بروايات الحديث.

فإذا أضفنا إلى ذلك، أن من نصوص الكتاب و السنة ما يحتمل عدة تفسيرات مقبولة بحيث يصعب الاتفاق على رأي واحد فيها، عرفنا السر في وجود مذاهب فقهية مختلفة، اشتهر بها أصحابها، كمذاهب الأئمة الأربعة، التي اتبعها جمهور المسلمين في جميع أنحاء الأرض.

المصادر

اقرأ ايضًا: هل الكلب نجس ؟ حكم نجاسة الكلب في الاسلام و اللعب معه

Exit mobile version