سَمَكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ

سَمَكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ

سَمَكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ

جِيلٌ بَعْدَ جِيل، رَسُولٌ بَعْدَ رَسُول، وَفُرْصَةٌ بَعْدَ فُرْصَة؛ وَلَكِن وَاحَسْرَتَاهُ يَبْقَى الحَالُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ،
فَهَل هُنَاكَ أَمَل؟! هَل يَتَغَيَّرُ هَذَا الإِنْسَانُ وَيَثُوبُ إِلَى رُشْدِهِ؟؟

لَوْ أَنَّ المَانِحَ لِهَذِهِ الفُرَصِ صَدِيقٌ، أَوْ أَنَّ المُرْسِلَ لِهَذِهِ الرُّسُلِ مَلِكًا؛ لانْتَهَى أَمْرُهُم مُنْذُ زَمَن ،
وَلَمَا قَامَت لَهُم قَائِمَة، وَلَكِن سُبْحَانَ العَفُوِّ الكَرِيم.

مَن هُم ؟ ومَاذَا فَعَلُوا؟

إِنَّهُم جَمَاعَةٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيل، سَكَنُوا قَرْيَةً عَلَى شَاطِئ البَحْرِ ، فَأَنْعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِالأَمْنِ وَالرِّزْقِ الوَفِيرِ
فَضْلاً مِنْهُ وكَرَمًا، فَهُم يَصْطَادُونَ السَّمَكَ وَيَبِيعُونَهُ فَيَثْرَونَ مِن ذَلِكَ وَ لَيْسَ لَهُم عَدُوٌّ يَخَافُونَهُ،
فَقَد اِكْتَمَلَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيهِم.

وَلَكِنَّ دَأْب بَنِي إسرائيلَ عَدَمُ الرِّضَا وَالبَحْثُ عَمَّا يَطْلُبُونَهُ، فَطَلَبُوا مِنَ اللهِ أَنْ يُحَدَّدَ لَهُم يَومًا يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ
وَيَتَفَرَّغُونَ لِعِبَادَةِ اللهِ وَشُكْرِهِ عَلَى نِعَمِهِ؛ فَأَجَابَهُم اللهُ إِلى مَا أَرَادُوا فَعَيَّنَ لَهُم يَومًا سَمَّاهُ يَوْمَ السَّبْتِ –
أَي يَومُ الرَّاحَةِ فِي العِبْرِيَّةِ لُغَةِ بَنِي إسرائيل- وَأَوْجَبَ عَلَيهِم الرَّاحَةَ وَالعِبَادَةَ فِي ذَلِكَ اليَومِ . فَكَانُوا يُعِدُّونَ كُلَّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيهِ يَوْمَ الجُمعَة حَتَّى الطَّعَام كَانَ يُوضَعُ عَلَى المَوَائِدِ فَلاَ يَشْغَلُهُم شَيْءٌ عَن العِبَادَة.

فَأَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اِخْتِبَارَ إيمَانِهِم وَصِدْقَ عِبَادَتِهِم(وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِم)،
فَكَانُوا إِذَا جَاءَ السَّبْتُ رَأَوا السَّمَكَ يَسْبَحُ قُرْبَ الشَّاطِئ بِأَعْدَادٍ وَأَحْجَامٍ كَبِيرَةٍ فَمَن يَلْمَسُ المَاءَ يُمْسِكُهُ ،
وَفِي غَيْرِهِ مِن الأَيَّامِ تَبْتَعِدُ فِي عُمْقِ البَحْرِ فَيَصْعُبُ اِصْطِيَادُ الصَّغِيرِ مِنْهَا وَيَنْدُرُ صَيْدُ الكَبِيرِ.

فَهَل صَبِرُوا عَلى ذَلك وَأَخْلَصُوا في عِبَادَتِهِم؟ لَقَد بَدَأَ الأَمْرُ بِاِحْتِيَالِ جَمَاعَةٍ صَغِيرَةٍ عَلَى هَذَا الأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ
فَنَصَبُوا الأَفْخَاخَ لِلأَسْمَاكِ مَسَاءَ الجُمعة سِرًّا ؛ فَإِذَا جَاءَ السَّبْتُ لَم يَعْمَلُوا وَوَقَعَت الأَسْمَاكُ فِي الأَفْخَاخِ
وَلَم تَسْتَطِع العَوْدَةَ إِلى البَحْرِ فَكَانَ صَيْدُهَا يَسِيرًا، فَإِذَا أَصْبَحُوا يَوْمَ الأَحَدِ أَخَذُوا هَذِه الأَسماكَ
وَبَاعُوهَا بِثَمَنٍ بَاهِظٍ في السُّوقِ فَأَصَابُوا مِن ذَلك ثَرْوَةً.

وَهَكَذَا بَدَأَ العِصْيَانُ وَالطَّمَعُ يَنْتَشِرُ بَيْنَهُم ، فَمَا بَدَأَ بِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ تَفَشَّى حَتَّى بَلَغَ ثُلُثَ القَرْيَةِ تَقْرِيبًا ،
وَمَا كَانَ يُفْعَلُ سِرًّا أَصْبَحَ عَلَنًا تَرَاهُ كُلُّ العُيُونِ!

فَمَا كَانَ مَوقِفُ بَاقِي القَرْيَةِ؟

لَقَد أَعْرَضَت عَمَّا فَعَلَهُ هَؤُلاءِ العُصَاةُ وَاِلْتَزَمَت أَمْرَ اللهِ ، وَلَكِن حَتَّى هَؤُلاَء فَقَد اِنْقَسَمُوا إِلَى فَرِيقَينِ،
فَرِيقٌ يَدْعُوا العُصَاةَ إلى العَوْدَةِ لِطَاعَةِ اللهِ وَيُحَذِّرُهُم عَاقِبَةَ عِصْيَانِهِم فَهُوَ سُبْحَانَهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَن يَتُوبُ
وَقَوِيٌّ عَزِيزٌ عَلَى العُصَاةِ يُنَزِّلُ عَذَابَهُ عَلَيْهِم وَهُم فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون، وَفَرِيقٌ قَالُوا: مَا الجَدْوَى مِن دَعْوَتِهِم لِعِبَادَةِ اللهِ
فَقَد قَرَّرُوا المَعْصِيَةَ وَغَرَّهُم صَبْرُ اللهِ وَحِلْمُهُ سُبْحَانَهُ عَلَيهِم ، فَلَمَا تُضَيِّعُونَ وَقْتَكُم فِي دَعْوَتِهِم
وَأَنْتُم تَعْلَمُونَ أَنَّهُم لَنْ يَتُوبُوا أَبَدًا؟!

وَاِسْتَمَرَّ الحَالُ عَلَى هَذَا المِنْوَالِ.. حَتَّى اِجْتَمَعَ المُؤمِنُونَ وَقَرَّرُوا عَزْلَ أَنْفُسِهِم عَن العُصَاةِ ،
فَتَجَمَّعُوا فِي جَانِبٍ مِن القَرْيَةِ وَقَرَّرُوا بِنَاءَ سُورٍ يَفْصِلُهُم عَن العُصَاةِ حَتَّى لاَ يُصِيبَهُم عَذَابُ اللهِ القَادِمُ لاَ مَحَالَة.

وَرَأَى العُصَاةُ ذَلِك فَلَم يَزِدْهُم إِلاَّ اِسْتِهْزَاءً، فَكَيْفَ يَتْرُكُ هَؤُلاءِ فُرْصَةَ الرِّبْحِ السَّرِيعِ لِلمَالِ الكَثِيرِ،
وَيَزِيدُونَ أَعْمَالَهُم بِبِنَاءِ هَذَا السُّورِ؟! إِنَّهُم حَقًّا حَمْقَى، لاَ يَعْرِفُونَ صَالِحَهُم.

فَجَاءَ رَدُّ المُؤمِنِينَ قَاطِعًا: إِنَّ الحُمْقَ بِعَينِهِ ظَنُّكُم أَنَّ اللهَ سَيَتْرُكُكُم عَلَى هَذِهِ الحَالِ دُونَ حِسَابٍ أَو عِقَابٍ،
إِنْ لَم يَكُن فِي الدُّنْيَا فَمَوْعِدُكُم الآخِرَة ، فَثُوبُوا إِلَى رُشْدِكُم وَعُودُوا إِلَى رَبِّكُم.

وَلَكِن لاَ حَيَاةَ لِمَن تُنَادِي، فَقَد تَمَلَّكَهُم الشَّيْطَانُ وَأَغْلَقَ قُلُوبَهمُ وعُقُولَهم ، وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم عَن الخَطَرَ المُحْدِقِ بِهم.

حَتَّى جَاء اليَوم المَوعُود؛ وَاِسْتَيْقَظَ المُؤمِنُونَ عَلى أَصْوَاتٍ غَرِيبَةٍ لَم يَسْمَعُوهَا مِن قَبْل، فَاِجْتَهَدُوا فِي مَعْرِفَةِ مَصْدَرِهَا ،
فَلَم يَعْرِفُوا حَتَّى نَظَرُوا خَلْفَ السُّورِ فَوَجَدُوا قِرَدَةً وَخَنَايِرَ؟!

مِنْ أَيْنَ جَاءَت هَذِهِ الحَيَوَانَات؟ وَأَيْنَ ذَهَبَ كُلُّ النَّاس؟ هَل تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَرَحَلُوا هَكَذَا ،
بِدُونِ أَمْوَالِهِم وَثِيَابِهِم الَّتِي عَصَوا اللهَ مِن أَجْلِهَا؟؟ وَلَكِن مَهْلاً ، اُنْظُرُوا إِنَّهَا تَلْبَس ثِيَابَهُم؟!

يَا إلَهِي رَحْمَتَكَ وَعَفْوَكَ، إِنَّ هَذِهِ الحَيَوَانَاتِ هُم العُصَاةُ لَقَد مَسَخَهُم اللهُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ عِقَابًا لَهُم عَلى مَعْصِيَتِهِم
وَ تَكَبُّرِهِم، فَإِذا كَانَ هَذَا عِقَابَهُم فِي الدُّنْيَا ؛ فَمَاذَا يَنْتَظِرُهُم يَوْمَ القِيَامَةِ؟!

إِنَّ اللهَ بِرَحْمَتِهِ أَخْبَرَنَا بِقِصَّتِهِم لِنَعْتَبِرَ وَنَتَفَكَّرَ فِي عَاقِبَةِ عِصْيَانِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ،
فَنَتُوبَ عَمَّا فَعَلْنَا وَنَتَحَرَّى فِعْلَ مَا أَمَرَنَا بِهِ رَغْبَةً فِي مَغْفِرَتِهِ وَرَهْبَةً مِن غَضَبِهِ.

وَرَدَ ذِكْر القِصَّة فِي سُورَة البَقَرَة. كَمَا وَرَدَ ذِكرُهَا بِتَفْصِيل أَكْثَر فِي سُورَة الأَعْرَافِ الآيَات 163-166

العِبْرَة:

قَالَ الحُكَمَاء:”اِتَّقِ شَرَّ الحَلِيمِ إِذَا غَضِبَ” فَلاَ تَجْعَل حِلْمَ اللهِ عَلَيكَ يُنْسِيكَ قُدْرَتَهُ على عِقَابِكَ مَتَى شَاءَ على مَعَاصِيكَ، وَلا تَظُنَّ أَنَّكَ سَتَعِيش بِدُونِ اِخْتِبَارٍ لِقُوَّةِ إيمَانِكَ، وَمَا عَلَيكَ إِلاَّ الصَّبْرُ وَالاِلْتِزَامُ بِمَا أَمَرَ اللهُ. تَفُزْ بِخَيرَي الدُّنْيَا وَالآخِرَة.

Exit mobile version