مجتمع يربى أبنائه على الغش !!

لا شك أن الغش ظاهرة خطيرة و سلوك مشين، والغش له صور متعددة، و أشكالاً متنوعة، ابتداءً من غش الحاكم لرعيته، و مروراً بغش الأب لأهل بيته، و انتهاء بغش الخادم في عمله.

وحديثي سوف يكون فقط عن الغش في الامتحانات، والذي أصبح يشكو كثير من المدرسين و التربويين من انتشاره و تفشّيه.

 وهذا حق، فإن ظاهرة الغش بدأت تأخذ في الانتشار، ليس على مستوى المراحل الابتدائية فحسب، بل تجاوزتها إلى الثانوية و الجامعة. فكم من طالب قدم بحثاً ليس له فيه إلا أن اسمه على غلافه. وكم من طالب قدّم مشروعاً و لا يعرف عما فيه شيئاً.

 وبل وقد تعجب من انتكاس الفطر عند بعض الطلاب، فيرمي من لم يغش بأنه مقعد ومتخلف وجامد الخ.. تلك الألقاب. و لربما تمادى أحدهم فاتهم الطالب الذي لا يساعده على الغش بأنه لا يعرف معنى الأخوة ولا التعاون.

 هذه الظاهرة التي أنتجها الفصام النكد الذي يعيشه كثير منا في مجالات شتى. نعم لما عاش كثير من طلابنا فصاماً نكداً بين العلم والعمل، ترى كثيراً منهم يحاول أن يغش في الامتحانات، و هو قد قرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»، بل ربما أنه يقرأه على ورقة الأسئلة، و لكن ذلك لا يحرك فيه ساكناً. لأنه قد استقر في ذهنه أنه لا علاقة بين العلم الذي يتعلمه وبين العمل الذي يجب أن يأتي به بعد هذا العلم.

 ولا أبالغ إن قلت: إن ظاهرة الغش قد تسرّبت حتى عند بعض المدرسين والمراقبين.

 

الغش في الامتحانات.. خطر يهدد مستقبل الأجيال

 لم يقتصر الغش في الامتحانات على كونه مشكلة فقط بل تعدى ذلك الى أن صار ظاهرة خطيرة يواجهها التعليم المدرسي في بلادنا، على الرغم من الإجراءات والسياسات التي تتخذها وزارة التربية ومكاتبها في المحافظات والمديريات بين وقت وآخر للحد من هذه الظاهرة.

 

ومن المؤكد أن بلادنا ليست الدولة الوحيدة التي تشكو من ظاهرة الغش في الامتحانات، فهي شائعة في الدول العربية والإسلامية ، وكذلك الحال مع بعض الدول المتقدمة مثل بريطانيا ،غير أن المسئولين هناك لم يقفوا مكتوفي الايدي حيال هذه الظاهرة، فلم يسعوا لإنكارها أو التقليل من شأنها بل اعترفوا صراحة بالمشكلة التي يواجهونها وعملوا على التصدي لها بكل قوة.

 

في بلادنا ينزعج مسئولو التعليم فور اكتشافهم واقعة غش هنا أو هنا، وبموجب تصريحات قيادة وزارة التربية والتعليم فإن الأسبوع الأول من الامتحانات لشهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة أسفر عن (631) مخالفة امتحانيه كان الهدف من ورائها محاولة إيجاد مناخ ملائم للغش وعلى ضوء هذه المخالفات فقد تم نقل العديد من المراكز الامتحانية من مواقعها الى مراكز المديريات والمحافظات كإجراء وقائي للحد من تفاقمها.

 

والجدير ذكره أن المخالفات الامتحانية تنوعت  بين انتحال الشخصية واقتحام المراكز الامتحانية وتمزيق دفاتر الاجابات والهروب بها، بالإضافة الى الاعتداءات على رؤساءاللجان والمراقبين، ونشوب فوضى ومشاغبة وتجمهر خارج المراكز الامتحانية.

 

وإزاء ذلك يتبادر الى الذهن تساؤلات قلقة مفادها: هل صارت ظاهرة الغش في الامتحانات ثقافة مجتمعية؟ وما هي الأساليب التي يتبعها الطلاب في الغش؟؟ وما هي أسباب الغش وطرق علاجه؟

 

 أسئلة  قلقة تبحث عن إجابات لتزيح جبالاً من القلق الناتج عن هذه الظاهرة الخطيرة التي تنخر في مجتعنا حيث تتمثل خطورتها بأنها تورث الطبيب الفاشل والمهندس الفاشل والقائد الفاشل والقاضي الفاشل وهؤلاء هم جميع مخرجات الغش، ومن ثم ينشأ مجتمع غشاش جاهل.

 

ظاهرة إنحرافية

 الغش في الامتحانات ظاهرة إنحرافية ومخالفة صارخة لنداء الضمائر اليقظة التي ينميها الدين وتتنافى مع المعايير الاجتماعية بوصفها ظاهرة من مظاهر الانحراف الاجتماعي لخروجها عن المعايير والقيم والضوابط وتودي بفاعلها الى المزالق في الحياة فتفقده مستقبله الزاهر.

 

ومن يتأمل هذه الظاهرة ويقارن حجمها ومدى انتشارها عاماً بعد عام يجد أنها شاعت بين الطلبة وأصبح التباهي في إعداد الخطط والأساليب العجيبة والغريبة لممارستها أمر منتشر بين كثير من الطلاب، ويقف معهم ويساندهم في هذا الاتجاه المجتمع،وأحياناً الإدارات المدرسية، حتى صارت بالفعل ثقافة مجتمعية بامتياز ويتجلى ذلك واضحاً في كل موسم امتحانات حيث تحرص بعض الأسر على مساعدة طلابها في امتحاناتهم بواسطة الغش باعتباره غاية تبرره الوسائل التي يعدها القائمون على الامتحانات مخالفات امتحانية.

 

ناهيك أن موسم الامتحانات يعده البعض من المحيط بالمراكز الامتحانية أومن المشاركين في سيرورتها موسماً للرزق، ونظراً لانخفاض مستوى التحصيل الدراسي للطالب ورغبته في النجاح بأية وسيلة كأن يقدم الطالب بعض المال  للمراقب لتسهيل عملية الغش وكذلك الحال تقدم أسر الطلاب المتجمهرة خارج المراكز الاجتماعية للجان الامنية نقودا مقابل توصيل بعض الإجابات إلى الطلاب داخل القاعات الامتحانية.

 

وما تم اكتشافه خلال الاسبوع الاول من الامتحانات ليس إلا ثمرة من ثمار الزيارات الميدانية لقيادات وزارة التربية ومشرفي الامتحانات ومسؤولي السلطة المحلية في أيام محدودة، بما يعني أن ما خفي كان أعظم.

 

 سلبية المجتمع

وفي هذه الحالة قد تشير أصابع الاتهام في المقام الأول والأخير الى المدرسة بينما الواقع يثبت أن الكثير من مدارسنا تعاني بشكل عام من سلبية المجتمع فبعض الآباء يقصرون في متابعة أبنائهم ويتركون الحبل على الغارب لإدارة المدرسة لتحمل التربية والتعليم معاً، ومثل هؤلاء الآباء لا يشعرون بالخطر الحقيقي الناجم عن سلبيتهم الا بعد حدوث أضرار تمس الأبناء، كالرسوب الدراسي المتكرر والانحرافات السلوكية، ومن أبرزها الغش في الامتحانات، حيث أثبتت الدراسات والبحوث التربوية أن هذه الظاهرة تخل بالعملية التعليمية وتهدم أحد أركانها الأساسية وهو ركن التقويم، إذ يعد الغش في الامتحانات بمثابة تزييف لنتائج التقويم مما يضعف من فاعلية النظام التعليمي ويعوقه عن تحقيق أهدافه التي يسعى الى تحقيقها.

 

فممارسة الطالب لسلوك الغش في الاختبارات لا يعد مظهراً من مظاهر عدم الشعور بالمسؤولية وحسب بل افساداً لعملية القياس وتلويثاً لنتائج الاختبار وبالتالي عدم تحقيق أهداف التقويم في مجال التحصيل الدراسي، وخطورة الغش في الامتحانات لا تكمن في الجوانب المدرسية فقط كما يراها بعض الباحثين، بل قد يتعداها من وجهة نظرهم الى جوانب حياتية أخرى عبر هذه الجوانب المدرسية، حيث أن أولئك الذين يتعودون على  عمليات الغش ويمارسون هنا السلوك طوال حياتهم التعليمية تتكون لديهم عادة الغش والتزييف في كثير من جوانب حياتهم العملية بعد تخرجهم.

 

Exit mobile version