دفينة أعماقى …

imagesCA8DRZOA

بينما كنت اجلس اليوم اراجع صفحات حياتي ، أتصفحتها لعلي أرى كيف كانت و الي ما أًًّلت ، فوجدتني اتنبه لشيء ..مجرد تفصيله صغيره جدا ضائعه بمكانٍ ما في طى ذكرياتي ، لكنني لم اتذكرها قبل اليوم ، ولا اعرف لما !

تذكرت ردة فعلي حينما علمت بوفاة أمي و كيف كانت تلك اكثر لحظات حياتي اصطناعا ، لحظتها لم اشعر بأي رغبة في البكاء او الحزن علي الاطلاق ، كل ما شعرت به اني وحدي بهذا الكوكب لا أري من حولي احد، ولم اهتم لردود افعال العشرات الذين بالغرفه يتلقون الخبر ،

كل شيء وقتها كان به شيء من العتامه كل الالون أراها أكثر بهوتاً و كأن أحد أضاف خطأ ًً لون رماديا علي كل شيء، لون سقف الحجره و الحوائط كلها معتمه ، كأن الشمس قد غربت في عز الظهيره ..

و الرغبه الوحيده التي تملكتني وقتها لم تكن البكاء بل كانت رغبتي في النوم النوم العميق و عدم التحدث الي احد من الموجودين ، كنت مستعده لاي شيء الا ان يواسيني احدهم او يتحدث الي بكلمات يكسوها العزاء ، فلم أجد شيء يصد كلماتهم عني غير البكاء الذي لم أكن به راغبه، فقررت ان أبكي لأشكل هالة من حولي تكن لي واقيه ، ولكنني لا استطيع البكاء ففكرت بأي شيء قد يدفعني اليه ..
فأخذت أتخيل كيف أني لن استطيع مذاكرة دروسي وحدي دون أمي ، و كيف سأكون وحيده في مدرستي و متي مررت بحجرة المدرسات فلن اجد فيها أمي، او ان لا أحد سوف يدسني بالفراش مودعا لي بقبلة حانيه علي جبيني كل ليله ، أو يستقبلني بنفس القبله مترفقا بى في الصباح. تخيلت يوم زفافي وانا وحيده اتمنى فرحة أمي وعونها، أو يوم إنجابي لاولادي ، وأيام مرضي، تخيلت كل شيء يحتاجه الاطفال من امهاتهم و الفتيات من هن…
فظللت ابكي لساعات فقد كانت تخيلاتي لي مؤلمه إلا إنها كانت كما الألم المصطنع لم تكن حقيقيه ، و لكنها كانت خطه مفلحه ، قد تكفلت لابعاد الجميع عني ، فكلما اقترب احد ليواسيني ويهدئني يقول له أحدهم … أتركوها لعلها تفرغ ما بقلبها من حزن ،من الجيد لها آن تبكي ، تركوني ساعات هنالك جوار غرفة أمي ،
تلك الغرفه التي أصبحت محرمة علي ذلك اليوم حيث أنهم لم يرغبوا لى أن أري امي حال مماتها، وضعوها ممدة علي سريرها و غلقوا الابواب و منعوني عنها ليحرموني من حقي في نظرة أخيره أقتبسها من ذلك الوجه الصبوح وجه أمي..
وبعد ساعات من البكاء يبدو أنهم ملّوا فأنفضوا من حولي جميعا كل ذهب ليجري ترتيباته و مكالماته لنشر الخبر و تحديد موعد للدفن والعزاء.

حينها انشغل الجميع عني و أغفلوا حراستهم المشدده لتلك الغرفة المحرمه ، وحيث اني كنت أصطنع البكاء منذ البدايه فقد تنبهت سريعا لغفلتهم عن حجرتها و أسرعت قبل ان يلحظوني و دخلت لأسترق ما هو من حقي ولو لمرة أخيره …

فتحت الباب ، فوجدت أمي كما أراها كل ليله أثناء نومها ، هادئه في سبات ، لم يتغير أي شىء… إنها فقط نائمه، وقبل ان أقترب منها تنبهوا إلي وأخذوا يتلاومون بينهم ، من الذي تسبب في هذا الاهمال في مراقبة الغرفه وجروني عنها بعيدا ، ليخرجوني من غرفتها بل من المنزل كله ، وفي ثواني أحضروا زوجة عمي لتصطحبنى لمنزلها الذي كان قريب منا يبعد عدة شوارع فقط لا غير عن بيتنا.
تمنيت من الله أن لا تنطق زوجة عمي بكلمة عزاء واحده، و سبحان الذي أفقدها كل مفرداتها ، فلعلها لم تجد كلمة واحده مناسبه لتتفوه بها، لتظل طوال الطريق صامتة تماما ، الكلمات الوحيده التي استطاعت لفظها حين وصلنا و أودعتني حجرة إبنة عمي وهى تخبرنى أن لي مطلق الحريه في ان أنضم إليها بالخارج أو أخذ قسطا من الراحه ،
و بذلك قد حققت لي أمنيتي التي لطالما تمنيتها منذ اللحظة الاولي ألا وهي رغبتي في النوم العميق.

فغصت في سبات عميق ، لا أعرف كم ساعة كانت ولا اي شيء جري من أحداث خلال نومي كل ما أعرفه أني أستيقظت علي أغرب إحساس شعرت به يوماً… إستيقظت وانا أبحث عن شيء ما و لا أعرف ما هو فأخذت أبحث وأبحث فى كل ركن بأرجاء المكان و عيني تدور حول ما حولي باحثه عن الذى أجهل ثم أوقفني وخز في صدرى وخز عجيب وخز لشعور من كان فؤاده خاليا.
كان شىء مؤلما ولكنى كذلك لم أبكي ، وبعد لحظات دعتني زوجة عمي لتناول الطعام فقد حل المساء وانا لم اتناول شيء طوال اليوم، ولكني رفضت بكل قوتي ،
إلا ان كل قوتي لم تكن كفايه لإقناعها فأجبرتنى علي تناول الطعام …. و حينها وللمرة الاولي بذلك اليوم أجهشت فى البكاء بحرقة و بشدة ،
فإنها كانت ترى انها تجبرني على الطعام لأتقوى، وانا كنت أرى انها تسلبنى أخر ما تبقي لى من رائحة أمي، فقد كان طعم افطاري الذي اعددته أمي فى الصباح مازلت أجده في فمى، متذكره أخر كلماتها لي ، بأنها قد أعددت لي أكثر الوجبات التي أحبها اليوم وان علي إكمالها كلها…
و وددت أن لا يزول ذاك المذاق الى الابد ، وكانها بذلك تنتزع آخر شيء خبأته عن الجميع منى.
ومن حينها أخذت أبكي لايام لا مدركه لليل من نهار ، ولكني أبداً لم أبكى حزناً علي موت آمي ، إنما فقط كنت ابكى بين الحين و الحين إشتياقا لها ، حتي توقفت تماما عن البكاء بعدها ..

تلك الذكرى كانت دفينة علي مر تسعة عشر عاماً لم اتذكرها ولو لمرة واحده ، إنما اليوم راودتني و مازلت لا أعرف لما تذكرتها !!!

Exit mobile version