تشارلز تايلور دكتاتور ليبريا و ألماس الدماء

تشارلز تايلور كم منا يعرف هذا الأسم؟ من الشخصييات التي دار جدلاً واسعاً حولهم. في إحدى الصحاري الشاسعة تحت أشعة الشمس الحارقة تشاهد مجموعة من الأشخاص ذوي البشرة السمراء ظهورهم عارية تنحني في تجمعات مائية مليئة بالوحل وفي يد كل واحد منهم شبكة يرميها في الماء ثم يقوم بسحبها ليرى ما جمعته ، يبحث في تلك الشبكة بين كومة من الصخور الصغيرة العادية اّملا أن يجد ولو قطعة صغيرة من الألماس.

هذا الحجر اللامع الغالي والثمين والذي يسطع عند تسليط الضوء الابيض عليه فيتحلل الى ألوان الطيف السبعة والذي تطمح كل الدول لامتلاكه و الاستيلاء عليه.

و عندما تنظر إلى ظهور هؤلاء العمال الأفارقة فتجدها مشوهة من آثار ضرب الجنود الواقفين خلفهم لإجبارهم على العمل بلا توقف ، يختلط عرقهم بدمائهم و يكسوهم الإرهاق والتعب.

نحن هنا في السيراليون ، و هؤلاء الجنود هم مجرد أطفال تتراوح أعمارهم بين الخمسة أعوام وال ١٦ عاما ، تم اختطافهم من ذويهم و أهاليهم ليمروا بأصعب فترات حياتهم.

حيث تم إدراجهم وتدريبهم على ألعاب قتالية بالذخيرة الحية و تم قتل او اغتصاب أقاربهم أمامهم لنسف أي شعور من التعاطف داخلهم في نوع من اسوء الحروب النفسية وحشية، و لمزيد من أحكام السيطرة عليهم تم اغراقهم بالمخدرات المختلفة حتى يصيروا عبيداً خاضعين.

و من هنا جاء مصطلح ألماس الدماء أو الألماس الدموي و الذي يشير الى الألماس الذي يستخرج من البلاد الإفريقية نتيجة الصراع و النزاع المسلح في المنطقة والحروب الأهلية التي يكون هدفها الوحيد هو السيطرة على مناجم الألماس.

ليبيريا الأصل و التاريخ

ليبريا إحدى أفقر ثلاث دول على مستوى العالم والتي تقع في غرب افريقيا ،يحدها من الغرب السيراليون ويحدها من الشمال غينيا ومن الشرق كوت ديفوار، جاء اسم ليبيريا من “ليبرتي” أي الحرية.

كانت ليبريا قديما أرض مليئة بالعبيد الأفارق اللذين كانوا مستعبدين وينقلون عبر البحار عن طريق القوارب إلى أمريكا ، كانت رحلتهم محفوفة بالمخاطر حيث كان يموت بعضهم في الطريق

بعد سنوات عديدة ما لبثوا أن عادوا إلى تلك المنطقة وأقاموا عليها جمهورية ليبريا، و كان من ضمنهم ” تشارلز تايلور ” .

تعد ليبيريا واحدة من اثنين فقط من البلدان الحديثة في منطقة افريقيا، وابتداء من عام ١٨٢٠م استعمر هذه المنطقة العبيد المحررون من قبل الولايات الأمريكية بمساعدة جمعية الاستعمار الأمريكية وهي منظمة خاصة تعتقد بأن العبيد المحررون سيحصلون على مزيد من الحرية والمساواة في افريقيا.

وفي عام ١٨٤٧ م اقام هؤلاء المستعمرون جمهورية ” ليبيريا” و اسسوا حكومة على غرار نظيرتها في الولايات الامريكية و سموا العاصمة ” مونورفيا ” تيمنا بجيمس مونرو الرئيس الخامس للولايات المتحدة.

سيطرة الليبيرين الأمريكيين

واحتكر الليبيرين الامريكيين القطاعات السياسية والاقتصادية في البلاد بالرغم من انهم لا يشكلون الاغلبية في الدولة.

و عمل الليبيريون الامريكيون على استبعاد السكان الاصليين من شؤون البلاد الى حد كبير ، وفي عام ١٨٧٧م احتكر حزب ” ترو ويغ ” الليبيري الامريكي السلطة السياسية في البلاد .

وفي السنوات الاولى للدولة الليبيرية واجه المستوطنون الليبيريون الامريكيون معارضة شديدة وعنيفة من الافارقة الاصليين الذين استبعدوا من المشهد السياسي في الجمهورية الجديدة .

وفي عام ١٩٨٠م حدث انقلاب عسكري بقيادة الرقيب صامويل دو (من مجموعة كران العرقية الاصل ) و الذي اطاح بالرئيس ويليام تولبرت الابن .

قام صامويل دو وانصاره بقتل الرئيس و أعدموا لاحقا غالبية وزراءه في الحكومة الليبيرية الامريكية و اعضاء من حزب ترو ويغ .

شكل قادة الانقلاب مجلس خلاص الشعب لحكم البلاد ولأن صامويل دو كان حليفا استراتيجيا هاما في الحرب الباردة تلقى دعما ماليا كبيرا من الولايات المتحدة الامريكية بالرغم من انتقاد مجلس خلاص الشعب لفساده و ممارسته للقمع السياسي .

وفي عام ١٩٨٥م انتخب صامويل دو رئيسا بانتخابات ادينت دوليا بوصفها مزورة ، وفي عام ١٩٨٩م شنت الجبهة الوطنية القومية الليبيرية بقيادة ” تشارلز تايلور” تمردها ضد حكومة صامويل دو بدعم من دولتي بوركينا فاسو و كوت ديفوار مما تسبب في الحرب الاهلية الاولى .

في عام ١٩٩٠م ألقي القبض على صامويل دو و أعدم من قبل قوات المتمردين في شهر ستمبر ، ولكن ما لبث المتمردون ان انقسموا الى فصائل مختلفة قاتلت بعضها البعض ، و اندلعت احدى اسوء الحروب الاهلية في افريقيا و اودت بحياة ٢٠٠،٠٠٠ شخص ليبيري وتشريد نحو مليون شخص الى مخيمات اللاجئين في البلدان المجاورة .

تشارلز تايلور و نشأته :

ولد تشارلز تايلور عام ١٩٨٤ وهو الابن الثالث من مجموع ١٥ طفلا لأبوين حررا من العبودية من قِبل أسرة أمريكية من سلالة العبيد الأميركيين المحررين الذين أنشأوا الجمهورية الليبيرية في القرن التاسع عشر.

تلقى تايلور تعليمه في الولايات المتحدة، حيث نال درجة في الاقتصاد من جامعة بنتلي في ماساتشوستس. وانخرط في النشاط الطلابي السياسي “المتطرف” وتأثر بالأفكار الماركسية و الاتحاد الأفريقي و أيد ذات مرة إحراق السفارة الليبيرية في واشنطن.

عمل تايلور بالتدريس وكان عضوا في حكومة صمويل دو (من قبيلة كران) عام ١٩٨٠ قبل نفيه إلى الولايات المتحدة التي سجن فيها بتهمة سرقة ٩٠٠ ألف دولار من أموال الحكومة الليبيرية، لكنه هرب من سجن ماساتشوستس عام ١٩٨٥ بعد قضاء سنة في السجن.

تزوج تايلور ثلاث مرات وله عدد من الأطفال ، وزوجته الحالية جول خبيرة اقتصادية كانت تعمل في المؤسسات الدولية.
فور هروبه من السجن عاد تايلور عام ١٩٨٩ إلى غرب أفريقيا واستقر في ساحل العاج، وسط غموض وتكهنات متباينة حول كيفية هربه.

خاض تايلور صراع عرقي عنيف مع سبع فصائل تتقاتل جميعها للسيطرة على الدولة وثرواتها خاصة خام الحديد و الخشب و المطاط.

كان من بين أفراد جيشه الذي قام بتجنيدهم عدد من الأطفال المراهقين المشردين ، ولكي يحكم تايلور سيطرته عليهم قادهم إلى طريق إدمان المخدرات فأصبحوا رهن إشارته .

كان هؤلاء المراهقين يتصفون بالوحشية والعنف جراء تأثير الإدمان عليهم حتى أنه أغار على ليبيريا فقتل قرابة الربع مليون وشرد حوالي مليون آخرون .

في عام ١٩٩٥م تم التوصل الى اتفاق سلام بين الاطراف المتحاربة في الحرب الاهلية الليبيرية .

تم انتخاب تايلور رئيساً للبلاد عام ١٩٩٧م ، وعندما أصبح رئيسا وجهت إليه الأمم المتحدة تهمة تهريب السلاح للمتمردين وتهريب الماس .

اقرأ ايضاً: أشهر طغاة التاريخ

تشارلز تايلور و ألماس الدماء :

في هذه الفترة طمع “تايلور” في ثروات الألماس في “سيراليون”، وكان طامحا الى انشاء ليبيريا الكبرى التي تضم غينيا وحقول الالماس في سيراليون ، ولكي يمهد الطريق من أجل الاستيلاء عليه قام بدعم الحرب الأهلية في المنطقة.

كان يزود الأهالي بالأسلحة التي يحتاجونها في مقابل أن يسلمونه كميات كبيرة من الألماس ، و أصبحت ليبيريا في ظل نظام تايلور معروفة دوليا بالدولة المنبوذة بسبب استخدامها لألماس الدماء .


خرج من السراليون وحدها نحو ٥٥ مليون قيراط من الالماس أي ما يعادل ١٥ مليار دولار ، هذه الارقام المهولة كانت كافية لجعل معايير الانسانية الاوروبية تغض الطرف عما يحدث في افريقيا طوال تلك السنوات .

وفي أعوام مضت طالب بعض النشطاء الاوروبيون الشعوب بوقف شراء الألماس كنوع من الاعتراض على تلوثه بدماء الأفارقة ، ولاقت الدعوة صدى رمزيا حينها انزعج منه تجار الالماس ومنتجوه ولكن سرعان ما زال هذا الانزعاج بعد شهور بسسب خفوت صدى تلك الدعوات .

وفي عام ١٩٩٩م اندلعت الحرب الاهلية الثانية في ليبيريا عندما قادت جبهة الليبيرين المتحدة تمردا مسلحاً ضد تشارلز تايلور واتهم أمام المحكمة الخاصة في السيراليون عام ٢٠٠٣م بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية ، واستقال تايلور حينها في اغسطس وذهب الى المنفى في نيجيريا .

ملابسات محاكمته :

تم إلقاء القبض على تايلور عام ٢٠٠٦ وأحيل للمحكمة الجنائية الخاصة المدعومة من الأمم المتحدة عام ٢٠٠٧ .
و وجهت إليه تهم ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية ، ودعم المتمردين بالسلاح في السيريالون وتهريب الألماس.
مَثُلَ “تشارلز تايلور” أمام المحكمة مرات عديدة ، وكان من بين العلامات الفارقة والشهادات المهمة في محاكمته الشهادة التي أدلت بها المساعدة السابقة لعارضة الأزياء البريطانية الشهيرة “نعومي كامبل” في جلسة عقدت عام ٢٠١٠

هي أن الرئيس الليبيري وعد “كامبل “بمزيد من قطع الماس خلال حفل عشاء حضرته في جنوب افريقيا عام ١٩٧٩. حيث أكدت الممثلة الأمريكية “ميا فارو” في شهادتها أمام المحكمة أن كامبل حصلت على “ماسة كبيرة” من الرئيس الليبيري السابق تايلور.

وقد كانت ” كامبل” ترفض الشهادة أمام المحكمة، إلا أن المحكمة هددتها باتخاذ إجراءات قانونية ضدها إذا امتنعت عن الشهادة، ولهذا اضطرت للمثول أمام المحكمة.

كانت الممثلة الامريكية “ميا فارو” قد صرحت بأن “كامبل” كانت على علاقة بالرئيس الليبيري السابق و أنها حصلت على قطع من الماس الخام غير المصقول من تشارلز تايلور، وتم ذلك في جنوب افريقيا بعد عشاء حضره عدد من المشاهير بدعوة من الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا.

ماذا قالت عارضة الأزياء نعومي كامبل أمام المحكمة؟

و بعد ذلك مثلت عارضة الأزياء “نعومي كامبل” أمام المحكمة و أدلت بشهادتها خلال جلسة محاكمة تشارلز تايلور، بشأن قطع من الألماس يبدو أنها تلقتها هدية من الرئيس الليبيري السابق الذي تجري محاكمته في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

و أكدت “ناومي كامبل” الخميس أمام المحكمة الخاصة بسيراليون في لاهاي أنها تلقت “أحجارا صغيرة جدا قذرة” تعتقد أن تشارلز تايلور قدمها إليها بعد العشاء الذي نظمه نيلسون مانديلا في عام ١٩٩٧م.

وحكت عارضة الأزياء البريطانية قائلة:- كنت أهم بالنوم عندما طرق أحدهم بابي، ففتحت له ، عندها رأيت رجلين واقفين وقدما لي كيسا صغيرا وقالا “هذه هدية لك”.

وأضافت كامبل “فتحت الكيس الصغير صباح اليوم التالي فوجدت بعض الاحجار الصغيرة جدا والقذرة”.

وأكدت “ناومي كامبل” أنها تحدثت عن هذه الهدية إلى وكيلة أعمالها “كارول وايت” والممثلة “ميا فارو” بعد ذلك خلال الفطور. وقالت عارضة الأزياء الشهيرة أنها لا تعرف ما إذا كان هذا “ماس الدم” أو إذا ما كان مانحها المجهول هو تايلور.

وقالت فارو: “أتذكر أن نعومي كامبل قالت أنه تم إيقاذها في الليلة السابقة وأن رجالاً قرعوا بابها وأعطوها ماسة كبيرة”.

ومضت قائلة: “لقد قالت أنها تنوي منح الماسة لمؤسسة نيلسون مانديلا الخيرية للطفولة “.

وبعد ذلك قام “جيرمي را كتليف” المدير السابق لجمعية نيلسون مانديلا الخيرية للأطفال أنه بأعلان انه تلقى ألماس خام من عارضة الازياء البريطانية الشهيرة نعومي كامبل.

شهادة را كتليف :

وأصدر را كتليف بياناً أرسله إلى BBC بعد يوم من شهادة كامبل أمام المحكمة.

وقال را كتليف أن “لا مشكلة لديه في الإدلاء بشهادته أمام محكمة لاهاي وأنه سلم ٣ ماسات خام أعطته إياها كامبل في ٢٦ سبتمبر/ ايلول ١٩٩٧ إلى السلطات”.

وقامت بعد ذلك الشرطة الإفريقية بالتأكيد من جهتها أنها استلمت الالماسات من “را كتليف” بعدما اتصل هو بهم ، وقال الناطق باسم وحدة التحقيق (هوكس) بشرطة جنوب افريقيا “موسى زوندي” أن الاختبار أثبت أن الاحجار ماس حقيقي.

ويعول الادعاء على شهادة عارضة الأزياء ليثبت أن “تشارلز تايلور” كذب عندما أكد أنه لم يملك يوما الماس الخام.
و أفادت شهادة “كامبل ” في التوصل إلى إثبات إتجار تايلور غير المشروع بـ”ماس ملطخ بالدماء” كما يسميه الادعاء، هو جزء مهم في المحاكمة.

حيث أن ” تايلور “متهم بقيادة متمردي الجبهة الثورية المتحدة لسيراليون سرا من خلال تأمين الأسلحة والذخائر لهم مقابل الماس، حيث وجهت إلى تايلور ١١ تهمة منها التحريض على القتل والاغتصاب وبتر الأعضاء والاستعباد الجنسي وتجنيد الأطفال أثناء حروب في ليبيريا وسيراليون قتل فيها أكثر من ٢٥٠ ألفا.

صدور الحكم والعقوبة علي تشارلز تايلور :


كان الرئيس الليبيري السابق تايلور ينفي التهم الموجهة إليه ، قائلا إنه ضحية مؤامرة سياسية، و قد كانت تنفي هيئة الدفاع عن تايلور تهمة تلقيه الألماس من متمردي الجبهة الثورية ويدفع ببرائته من احدى عشرة تهمة ما بين جرائم ضد الانسانية و جرائم حرب خصوصا عمليات قتل الاطفال وتجنيدهم

كان من ضمن الشهادات التي وردت أثناء محاكمته انه قام بأعمال وحشية مثل اكل اللحوم البشرية والذي علق عليها تايلور امام القضاة انه لا يرى أي مشكلة في عرض الجماجم البشرية عند نقاط التفتيش العسكرية

بحسب بعض الشهود ان الرجال الذين دعمهم او قادهم تايلور قاموا بنشر أمعاء بشرية على الطرقات و انتزعوا اجنة من بطون امهاتهم وأكلوا اللحم البشري لارهاب المدنيين .

نهاية تشارلز تايلور :


وبعد أن استمرت القضية المشهورة سبع سنوات أصدرت المحكمة الخاصة في السيريالون حكم بالسجن ٥٠ عاما على الرئيس السابق تشارلز تايلور وإدانته بجرائم حرب ، ويقضي تايلور مدة عقوبته في أحد السجون البريطانية.

وصفت جماعات حقوق الإنسان الحكم بإدانة تايلور بالتاريخي، وقالت منظمة العفو الدولية إن إدانة تايلور رسالة مهمة إلى كبار مسؤولي الدول كافة لمراجعة أنفسهم و تعديل وتغيير سياساتهم في الحكم .

وبهذا تنتهي أسطورة رجل ودكتاتور ليبيريا الذي تلطخت يداه لسنوات بدماء الأفارقة لتترك لنا عبرة نستشف منها نهاية كل ظالم مستبد مهما طال طغيانه فحتما سيلقى عقابه يوما ما وتكون خاتمته عبرة لمن يعتبر .

Exit mobile version