الألم

لست أكتب لأحاول تعريف الألم، لأني أعتقد أننا نتعرفه لحظة مولدنا، وقبل حتى أن نلتقي مصدره “الحياة – رغم أني لست متأكدة من هذا-“، بل أكتب فقط لمحاولة التعلم منه.

قبل أيام استوقفتني عبارة لجيفارا يقول فيها: “كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون صديقا… لكنني لم أكن اتصور أن الحزن يمكن أن يكون وطنا نسكنه ونتكلم لغته ونحمل جنسيتة.” لقد تهت في كلماتها لأني أحسست وكأنه يتحدث لغة أفهمها، هكذا هي قصتي مع الألم؛ لقد اتخذته موطنا أو هو من فعل، لست على يقين. لكني اليوم و قد تحررت منه أود أن أجسده من خلال الكلمات لأنسف ما تبقى من رواسبه في نفسي.

لو قرأت ما أنا أخطه الآن لعجِبت من نفسي لكني في اللحظة أعجب من طريقة تعاملي مع الألم في الماضي، نحن حقا نتعلم من خلاله، لقد أبكاني، حطمني، قهرني و قهر معي رغبة في الحياة. عندما نتألم نحن لا نعقل، لا نسمع النصيحة و لا نحاول حتى فهم ما الذي يحدث أو لماذا لأننا في غضون ذلك نرثى لأنفسنا و نسأل لما نحن؛ قرأت مرة و لا أعرف لمن هذا القول: “يحدثنا الله بالطريقة التي نفهمها”،  و نعم إني أظنه حقا يفعل، أحيانا يكون الألم هو الطريقة الوحيدة التي نفهم من خلالها أنفسنا، نعرف ما الذي يستطيع أن يهزنا، متى نستطيع الوقوف مرة أخرى، ماهي مبادؤنا، ما هي مخاوفنا و ما الذي نسطيع أن نتخلى عنه للمضي قدمنا. عندما ينزل علينا فاننا نكون في كل مرة أمام مفترق طرق سينحت مستقبلنا، إنه إما يقهرنا أو يجعلنا أقوى، و لقد قهرني و لكن بهديٍ من الله عزَ و جل استطعت أن أتعلم منه و أن أستخلص جوهر الحياة من الحطام الذي تركه بداخلي، الألم يعلمنا عن أنفسنا أكثر من أي شيء آخر؛ إنه يدلنا على مواطن قوتنا و ضعفنا، يجب أن نفهم كيف ننظر اليه، نرقبه و نحلله لا أن نرثى لأنفسنا، و نستسلم له لأنه عندها سيتخذنا موطنا و لن يرحل الا بدفع الغالي و النفيس ثمنا.

أعرف كم الأمر صعب، لأنه عندما يحل ضيفا ثقيلا يصعب جدا في تلك اللحظة التعامل معه ويصعب جدا فهم هذه الكلمات، لكننا نكبر بعد تجاوزه و يكبر الأمل فينا و ندنو أكثر من تحقيق أحلامنا كما تحقيق غاية وجودنا في الحياة.

أود أن أختم بالقول أن “عظمة الإنسان من عظيم ما يؤمن به(*)” فإن كان الله سبحانه وتعالى هو الذي نؤمن به لا داعي لأن يكون الألم موطنا و لا يجب أن يكون كذلك، فاليأس و القنوط من رحمة الله أقرب للكفر منه للإيمان و لا يمكن للإستلام للألم أن يكون غير انقطاع رجاءٍ من رب العزَة و الجلال.

(*) لا أعرف من أبدع القول و يبقى دائما منسوبا لصاحبه

Exit mobile version