web analytics
شخصياتمقالات عامةمن ذاكرة التاريخ

الفارابي فيلسوف المدينة الفاضلة : حياته و دراساته

الفارابي

من هو الفارابي و أين ولد ؟

الفيلسوف أبو ناصر الفارابي هو محمد بن محمد بن طرخان، و المعروف في الغرب باسم ألفرابيوس.

ولد في ما يعرف الآن بكازاخستان عام ٨٧٠، و سُمي بالفارابي نسبة إلى الجهة التي ولد بها، و هي ولاية “فاراب”، من بلاد الترك فيما وراء النهر.

فهو إذن تركي المولد، و إن كان بعض أصحاب البحوث و التراجم قد ذكر أن أباه كان قائدًا، و أنه كان فارسي الأصل.

حياة الفارابي

كان الفارابي من المسلمين الموسعين، وأحد أعظم العلماء والفلاسفة في بلاد فارس و العالم الإسلامي في عصره (أواخر القرن التاسع و أوائل القرن العاشر).

قضى معظم حياته المهنية النشطة التي كانت مكرسة إلى حد كبير للتدريس و الكتابة و دراساته في بغداد.

و قد كان الفارابي مولعًا بالأسفار منذ صباه، و قد كان الفارابي باعتباره متعدد اللغات، يستطيع أن يتحدث العديد من اللغات المختلفة، مثل: العربية و الفارسية و التركية و السريانية و اليونانية.

ساعدته هذه المعرفة على السفر و التكيف مع الثقافات الجديدة.

سافر من بلاد فارس حتى دخل العراق ثم إلى بغداد و عاش هناك لمدة عقدين.

في بغداد، التقى بفلاسفة بارزين مثل ابن كندي و الرازي.

و بعد أن أقام الفارابي زمانًا في بغداد، ارتحل عنها إلى حلب.

و اتصل بالأمير الحمداني سيف الدولة،و نال الرضا عنده، و ارتدى زي أهل التصوف.

ثم صحب الأمير إلى دمشق في حملته عليها سنة ٩٥٠ بعد الميلاد.

و أكثر ما يستوقفنا في حياة الفارابي أنه كان رجلًا يميل إلى التأمل و النظر، و يؤثر العزلة و الهدوء.

كرس نفسه بالكامل للتأمل و التفكير، و أبعد نفسه عن الاضطرابات السياسية و الاجتماعية.

بدأ شبابه متفلسفًا، و قضى كهولته متفننًا، و ختم حياته متصوفًا.

اقرأ ايضًا: هل تعاني من مشكلة التسويف و المماطلة ؟ إليك الحلول العلمية لإنهاء هذه العادة

علم الفارابي و دراساته

علم الفارابي و دراساته

كان الفارابي عالمًا في علم الكونيات و فيلسوفًا، و موسيقيًا، و طبيب نفساني، و عالم اجتماع.

و مهما يكن الأمر، فالفارابي بجملة ثقافته و مؤلفاته فيلسوف عربي.

بل لقد قال أحد المستشرقين إنه هو مؤسس الفلسفة العربية.

و من قبل رأى كثيرون من مؤلفي العرب أنه أكبر فلاسفة المسلمين.

و قال فيه ابن سبعين: “هذا الرجل أفهم فلاسفة الإسلام، و أذكرهم للعلوم القديمة، و هو فيلسوف فيها لا غير، و مات و هو مدرك محقق”.

و قال بعض المستشرقين: “و ليس شيء مما يوجد في فلسفة ابن سينا و ابن رشد إلا و بذوره موجودة عند الفارابي”.

و قد كان كُتاب العرب يعدون الفارابي أكبر العلماء بعد أرسطو.

و لما كانوا يطلقون على أرسطو اسم “المعلم الأول”، فقد أطلقوا على الفارابي اسم “المعلم الثاني”.

و تلقى الفارابي علوم الفلسفة على يد أستاذ نصراني، و كان من زملائه في التلمذة “أبو بشر متى بن يونس” النصراني، المشهور بترجمته للكتب اليونانية.

و قد اشتهر بين العرب بشروحه على فلسفة أرسطو، و لكن همة الفارابي لم تقف عند الشروح.

فقد ألف طائفة من الرسائل أوضح فيها فلسفته الخاصة، كفصوص الحكم، و إحصاء العلوم، و الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون و أرسطو، و آراء أهل المدينة الفاضلة، و غيرها.

و قد كانت للفارابي معرفة بالطب، و كانت له مواهب بارزة في الموسيقى علمًا و فنًا.

و يُذْكَر أن من براعته في هذا الفن أنه صنع آلة موسيقية شبيهة بآلة القانون، عزف عليها مرة فأضحك الحاضرين، و عزف مرة ثانية فأبكاهم، و عزف ثالثة فأنامهم ثم انصرف.

اقرأ ايضًا: شيخ القبيله وابناءه الثلاث !

التوفيق بين الفلسفة اليونانية و الإسلام

حاول الفيلسوف العربي محاولة جديدة، و هي أن يثبت أنه لا خلاف بين الفلسفة اليونانية من جهة، و بين عقائد الشريعة الإسلامية من جهة أخرى.

و أثناء إعادة صياغة الآراء الفلسفية لأفلاطون و أرسطو و المفكرين اليونانيين الآخرين، كان يراعي الفارابي دائمًا المبادئ الإسلامية التي شكلت الروابط الداخلية لكتاباته.

فقد كان الفارابي فيلسوفًا و مسلمًا في آن واحد.

أي كان مؤمنًا بعظمة الفلسفة من جهة، و مؤمنًا بكمال الإسلام من جهة أخرى.

فالفلسفة و الدين عنده أمران متفقان، لأن كلا منهما حق، و الحق لا يخالف الحق.

و إن شئنا قلنا الفلسفة و الدين يعبران عن حقيقة واحدة من وجهين مختلفين.

و كل ما في الأمر أن الفلسفة في سعيها للوصول إلى الحقيقة تستعمل وسائل غير التي يعتمد عليها الدين.

ففي حين أن الدين يلجأ إلى طرق التخيل و الإقناع النفسي، تلجأ الفلسفة إلى المعقولات و البرهان المنطقي.

و بينما الفلسفة بطبيعتها تتجه إلى “الخاصة” و “أصحاب الأذهان الصافية”، نجد أن الدين إنما يتجه إلى الكافة و الجمهور على حسب ما يطيقون.

اقرأ ايضًا: ابن سينا ( ابو الطب ) العالم و الطبيب و الفيلسوف

المدينة الفاضلة

كان الفارابي مهتمًا بالسياسة، كان يحلم بتنظيم العالم تنظيمًا شاملًا يجعل منه دولة مثالية على غرار جمهورية أفلاطون.

أو مدينة صالحة عاقلة، تكون رياسة الحكم فيها لفيلسوف صَفت نفسه، حتى كاد أن يكون نبيًا.

و المدينة الفاضلة التي ينشدها الفيلسوف هي نموذج لمجتمع إنساني راق، يؤدي كل فرد فيه وظيفته الخاصة التي تلائم كفاياته.

إن المجتمع الذي يتعاون فيه أعضاء المجتمع لتحقيق السعادة هو في الواقع المدينة المثالية.

في هذه الحالة، يساعد المواطنون بعضهم البعض على تحقيق صفات ذات امتياز كبير يعيشون من خلالها بأفضل طريقة و يتمتعون بأفضل حياة بشكل دائم.

و أفراد المجتمع كأعضاء البدن، متضامنون، يخضعون لرئيس المدينة و يتشبهون به، لأن ذلك الرئيس أوتي من الخصال الرفيعة ما يصعب تحققه في عامة الناس.

فهو سليم البنية، جيد الذهن، ثاقب الذكاء، حاضر البديهة، ماضي العزيمة، صادق، متجرد عن المادة.

و تذكرنا الخصال التي يتحلى بها رئيس المدينة الفارابية بصفات الفيلسوف الأفلاطوني في “الجمهورية”.

كما تذكرنا بالصفات التي خلعها “الرواقيون” على “الحكيم”.

و لكن الفارابي يضيف إلى خصال الرئيس خصلة أخرى، و هي قدرته على الاتصال بالعقل الفعال.

و الذي هو أعلى منزلة من العقل الإنساني، و غاية العقل الإنساني و سعادته في أن يتصل بالعقل الفعال.

و بهذا الاتصال يقترب الإنسان من الله، و بالطبع ليس كل إنسان قادرًا على هذا الاتصال بالعقل الفعال، و إنما يستطيعه القليلون من أهل الصفاء الذين لم يشغلهم عالم المادة عن عالم الروح، فسعوا إلى اختراق حجب الأرض، و تطلعوا إلى اجتلاء أنوار السماء.

و أهل الصفاء عند الفارابي فريقان، فريق الفلاسفة، و فريق الأنبياء.

و كل من الفريقين يستطيع على طريقته الخاصة أن يجتلي تلك الأنوار، إذ يتصل بالعقل الفعال.

فما يستطيعه الفيلسوف بالنظر العقلي و التأمل الفلسفي، يستطيعه النبي بمخيلة ممتازة، و قوة قدسية أودعها الله فيه.

اقرأ ايضًا: علماء غيروا العالم بإخترعتهم و إنجازاتهم العلمية

وفاة الفارابي

غادر الفارابي بغداد بسبب الاضطرابات السياسية قرب نهاية حياته و مات في دمشق سنة ٩٥٠ بعد الميلاد، و هو شيخ ناهز الثمانين من عمره، و صلى عليه خاصته المقربين.

و تُرجمت بعض أعمال الفارابي إلى اللاتينية و العبرية و درس الكثير أعماله بعد وفاته و أصبحوا من أتباعه.

كما أصبحت فلسفته معيار التكهنات العلمية في كل من الشرق و الغرب بعد وفاته بفترة طويلة.

و ختامًا، بالنظر إلى نظريات الفارابي، نعلم أن هناك العديد من الأفكار التي يمكن أن تساعد في إيجاد طريقنا و إيجاد طرق للسلام و السعادة.

فهناك رسائل واضحة نحتاجها للتركيز أكثر على الحياة الاجتماعية و محاولة تقوية أواصر الأخوة بين بعضنا البعض.

و من ناحية أخرى، هناك اتجاهات مهمة للغاية للقادة ورؤساء الدول، بعض هذه الاتجاهات، إذا اتبعت بصدق و عقول و قلوب واضحة يمكن أن تعلم النخبة الحاكمة بالفعل بعض القواعد الذهبية التي ستساعدهم و الناس ككل على تحويل مجتمعنا إلى مجتمع أفضل و تحقيق النعيم والرضا.

المصادر

اقرأ ايضًا: من اشهر علماء مصر قديما

شيماء سعد

أحب الصالحين ولسُت منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة ### وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواءاً في البضاعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply.

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.